اثار حالة الطوارئ الصحية على عقود الشغل


      ان تفشي فيروس جائحة كورونا  كوفيد-19 على الصعيد العالمي احدث رجة اقتصادية كبيرة الشيء الذي جعل العديد من الدول تقفل حدودها في وجه تنقل المسافرين في خطوة استباقية لوقاية شعوبها من انتشار هذا الوباء العالمي ولا نستثني المغرب من بين هذه الدول حيث سارع ملك البلاد بإعطاء اوامره للحكومة بان تعلق سفر الاشخاص وتغلق المطارات والموانئ حتى اشعار اخر.

    وبعدها مباشرة أصدرت الحكومة مرسوم قانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب  1441(23 مارس 2020 ) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، فشجعت على العمل عن بعد بالنسبة للشركات التي يمكنها ذلك وحافظت على العمل الحضوري فقط في القطاعات الحيوية التي لا يمكن ايقافها مع مراعاة حالات الطوارئ والنظافة والتباعد الاجتماعي. وأصدرت وزارة التشغيل دليلا توضيحيا خاص بحالة الطوارئ الصحية يجيب عن بعض الأسئلة المحتملة لتدبير ظروف العمل في ظل الوضع الاستثنائي المتعلق بخطر تفشي جائحة كورونا، فخصصت الدولة أجور شهرية لفاقدي الشغل ابتداء من 15 مارس الى نهاية يونيو وغيرها من المساعدات المقدمة للشركات كضمان اوكسجين ومنح الشركات كافة التسهيلات من اجل الحفاظ على مناصب الشغل والعودة للدوران بعد تخفيف الحجر والعودة بشكل تدريجي للحياة الطبيعية.

وفي غمرة انشغال الدولة بتدبير الجائحة حاولت بعض الشركات استغلال هذه الوضعية والتخلص من الاجراء غير مبالية بظروف الجائحة ولا توصيات الدولة لكنها وجدت نفسها امام مدونة الشغل التي تحمي حقوق هذه الفئة ولا يمكنها التخلص إلا عبر مساطر قانونية طويلة دون التفريط في حقوق العمال وقد برزت خلال هذه الفترة مجموعة من التساؤلات حول مدونة الشغل وكيفية تعاطيها مع ظروف الجائحة سنحاول طرح اهم الاسئلة وبعدها سنجيب عنها في محاولة منا لرفع سوء الفهم الذي وقع فيه بعض المشغلين والأجراء

هل يمكن للمشغل

إلزام الاجيرعلى الاستفادة من إجازة مدفوعة الاجر او اجازة مبكرة وبدون اجر؟ –

هل يحق للمشغل تخفيض توقيت العمل والأجر لأجرائه متعللا بالجائحة ؟ –

هل يمكن للمشغل منع الأجراء من الولوج إلى مكان العمل في حالة تفشي الفيروس؟ –

هل تحت مدونة الشغل على العمل عن بعد في مثل هذه الظروف؟ –

هل يتم تعليق عقد الشغل اذا خضع  الأجير للمراقبة الطبية أو للحجر الصحي ؟ –

هل يمكن للمشغل إلزام الاجيرعلى الاستفادة من إجازة مدفوعة الاجر او اجازة مبكرة وبدون اجر؟

تسمح المادة 245 من مدونة الشغل للمشغل بتحديد تواريخ العطلة السنوية المؤدى عنها، بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابين بالمقاولة عند وجودهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب استشارة الأجراء المعنيين بالعطلة.

المشرع هنا الزم المشغل باستشارة مندوبي الاجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم واستشارة كذلك الاجراء المعنيين بالعطلة فلا يمكن للمشغل ان يفرض العطلة السنوية دون استشارة مع المعنيين وإلا فانه سيصبح خارقا للقانون هذا بالنسبة للعطلة السنوية المؤدى عنها.

 أما بالنسبة لتسبيق العطلة السنوية المؤدى عنها فنجد ان المشرع لم يتحدث عنها ولكن يمكن ان يستفيد الاجير منها اذا توصل لاتفاق مع مشغله مع حفظ جميع حقوقه وغير هذا لا يمكن لأي مشغل ان يلزم الاجير بالاستفادة من العطلة السنوية المؤدى عنها المسبقة، أما العطلة بدون تعويض فتلك الحالة تكون بناء على طلب الاجير ان يطلب ايقاف عقد شغله والاستفادة من عطلة طويلة بدون اجر مع الاحتفاظ بعقد شغله مثل الحالة التي تود فيها الام الاستفادة من راحة اكبر من اجل الاهتمام برضيعها دون تقديم استقالتها وهذه العطلة تكون بالاتفاق بين طرفي عقد الشغل .

من هنا نستنتج ان المشغل لا يمكنه ان يجبر الاجراء على الاستفادة من العطلة السنوية المؤدى عنها فما بالك بتسبيق العطلة أو عطلة بدون اجر.

2-هل يحق للمشغل تخفيض توقيت العمل والأجر لأجرائه متعللا بتداعيات الجائحة ما قد ينتج عنها من صعوبات مالية تمنع  الاستمرار في العمل ؟

يمكن للمشغل تقليص مدة الشغل تبعا لمقتضيات المادة 185 من مدونة الشغل شريطة  :

– استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم ؛

– يؤدى الأجر عن مدة الشغل الفعلية على ألا يقل، في جميع الحالات عن 50 % من الأجر العادي ما لم تكن هناك  مقتضيات أكثر لفائدة الأجراء؛

– تقليص مدة الشغل العادية  ولفترة متصلة أو منفصلة لا تتجاوز ستين يوما في  السنة ؛

– إذا كان تقليص مدة الشغل يزيد عن ستين يوما في السنة، يجب الاتفاق بين المشغل  و مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم ؛

– وفي حالة عدم التوصل إلى أي اتفاق، لا يسمح بتقليص مدة الشغل العادية إلا بإذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم طبقا للمسطرة المحددة في المادة 67 من مدونة الشغل.

وفي هذه الحالة كما في حالة العطلة وتفاديا لتعسف المشغل فان المشرع جعل تخفيض توقيت العمل والأجر شرط موافقة الاجراء او مندوبيهم دون ذلك يجب على المشغل سلك المسطرة المحددة في المادة 67 من مدونة الشغل.

كما ان المشرع ألزم المشغل حسب المادة 186 من مدونة الشغل  أن يزود الاجراء في نفس الوقت بكل المعلومات حول الإجراءات المزمع اتخاذها والآثار التي يمكن أن تترتب عنها وكذلك الوضعية المالية والصعوبات التي تعاني منها المقاولة وغير هذا يعتبر تحايلا على القانون معاقب عليه.

3- هل يمكن للمشغل منع الاجراء من الوصول الى مكان العمل في حالة تفشي الفيروس؟

فحسب المادة 281 من مدونة الشغل فانه يجب على المشغل، أن يسهر على نظافة أماكن الشغل، وأن يحرص على أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، وخاصة فيما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق، والإنارة، والتدفئة، والتهوية، والتخفيض من الضجيج، واستعمال المراوح، والماء الشروب، وآبار المراحيض، وتصريف مياه الفضلات، ومياه الغسل، والأتربة، والأبخرة، ومستودعات ملابس الأجراء، ومغتسلاتهم، ومراقدهم.

يجب على المشغل، أن يضمن تزويد الأوراش بالماء الشروب بكيفية عادية، وأن يوفر فيها للأجراء مساكن نظيفة، وظروفا صحية ملائمة.

بناءا على هذه المادة يمكن للمشغل ان يمنع الاجراء من ولوج مقر العمل حتى توفير شروط الوقاية الصحية والنظافة لكي لا يتحول مقر العمل لبؤرة للوباء. اما إذا لم يلتزم بشروط الوقاية الصحية والتباعد الاجتماعي والنظافة فانه يصبح مسؤولا عن مرض الأجراء وتعريضهم للخطر فيعاقب المشغل على ذلك.

4- هل تحت مدونة الشغل على العمل عن بعد في مثل هذه الظروف؟

      شجعت الحكومة المغربية وكذلك الاتحاد العام لمقاولات المغرب على العمل عن بعد نظرا لأهميته الكبيرة في الحد من انتشار وباء كورونا كوفيد-19 وفقا للمادة 8 من مدونة الشغل، يُسمح للمشغل تشغيل الأجراء من منازلهم، شريطة احترام تدابير الصحة والسلامة المنصوص عليها في المرسوم رقم 262.12.2 بتاريخ 10 يوليو 2012، والحصول على تأمين يغطي حوادث الشغل، وفق أحكام القانون رقم 18.18. يجب أن يكون الشغل بالمنزل موضوع اتفاق بين الطرفين دون التأثير على المزايا المكتسبة قبل استخدام طريقة الشغل هذه، ويجب على المشغل أن يشرح شروط أداء هذا الشغل لأجرائه وتزويدهم بالوسائل اللازمة لأدائه.

5-هل يتم تعليق عقد الشغل اذا خضع الأجير للمراقبة الطبية أو للحجر الصحي ؟

     فحسب المادة 32 من مدونة الشغل يمكن تعليق عقد الشغل مؤقتا اذا خضع الاجير للمراقبة الطبية او للحجر الصحي لدى المصالح المختصة في حالة كانت اصابته خطيرة أما الأجراء الذين يشتغلون عن بعد وتمت اصابتهم وطلبت منهم المصالح الصحية الحجر ببيوتهم طبقا لبرتوكول وزارة الصحة فإنهم يستمرون في اداء شغلهم مع احترامهم لبرتوكول وزارة الصحة وبالتالي لا يتم تعليق عقد شغلهم.

 

   وختما يمكن القول ان المشرع المغربي كان ذكيا حينما حد من تعسف المشغل وتدخل لحماية الاجراء عبر مساطر دقيقة وجعل كل القرارات التي تمس الشغيلة مشروطة بقبول هذه الاخيرة وفق اتفاق يحميهم ويحافظ على مكتسباتهم ولا يمكنهم من اتخاذ ظروف الجائحة كمبرر لفصل الاجراء والتضييق على حقوقهم.